فيما خلا قتل بعضنا البعض، ما هي عقيدتنا العسكرية؟
لا يوجد أي حديث عربي عن عمل عسكري ضد إسرائيل. فكرة الرد العسكري غير مطروحة حتى في الخيال العربي الرسمي وكأن مجرد تخيلها مخيف. في المقابل يوجد شهية مفتوحة للحروب بيننا، ففي عقود قليلة شهدنا حروباً أهلية وقتالاً داخلياً في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان والصومال والجزائر ولبنان بالإضافة للاشتباكات المسلحة بين الدول العربية مثل غزو صدام للكويت ومثل حرب الرمال بين المغرب والجزائر ومثل حرب البريمي بين السعودية وسلطنة عمان ومثل الحروب والاشتباكات المتعددة بين السعودية واليمن. لقد صرنا – للأسف الشديد – فنانين في قتل بعضنا البعض وفي تجنب العدو، بل وأحياناً في التماهي معه والتطبيع معه والتحالف معه. هذه المقالة هي عن هذه الازدواجية وعن عقم المؤسسات العسكرية العربية التي تستنزف ميزانيات ضخمة جداً وفي النهاية لا تستعمل غالباً إلا ضد شعوب المنطقة. وهي تذكير بالبديهي: لا يمكن هزيمة الصهيونية دون المواجهة العسكرية.
نحن في حالة حرب لكنها حرب من طرف واحد
في ظل نكبة جديدة وحرب إبادة حقيقية من هو الرئيس الذي دعى لإنشاء جيش دولي لأجل فلسطين؟ الجواب: الرئيس الكولومبي!
في فترة وجيزة قامت إسرائيل بقصف أو اجتياح فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وقطر واليمن وقامت بتنفيذ عمليات اغتيال في الإمارات وتونس وقتلت قاض أردني عند المعبر بين الأردن والضفة الغربية وقامت بخطف رئيس عربي سابق وهو المنصف المرزوقي حين شارك في محاولة لكسر حصار غزة كما يحتمل أنها قتلت رئيس عربي آخر وهو ياسر عرفات. منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل أقل من سنة قامت إسرائيل بشن حرب كاملة على سوريا تتضمن اجتياحاً برياً خطيراً يهدد دمشق بشكل مباشر بالإضافة لشن مئات عمليات القصف لإحداث تدمير ممنهج لسلاحي الجو والبحرية كما قصفت الحكومة الجديدة وقواتها وتدخلت بشكل علني في أحداث السويداء ومدت نفوذها داخل بعض الدروز. هذه حرب حقيقية ولكنها حرب من طرف واحد، حرب حقيقية لكن لا أحد يسميها كذلك.
نحن في حالة حرب لكنها حرب من طرف واحد. نحن أيضاً في حالة حرب مع بعضنا البعض
في نفس الوقت الذي كانت حرب الإبادة تجري في غزة وحرب أخرى في جبهة لبنان وثالثة في جبهة سوريا خرج الرئيس المصري ليقول أن الصومال دولة عربية وعضو في جامعة الدولة العربية وبالتالي لها حقوق فى الدفاع المشترك، وأن مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال، وأضاف “محدش بجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خاصة لو أشقاءها طلبوا منها التدخل”. هكذا نتذكر معاهدة الدفاع العربي المشترك بشكل انتقائي وفقط حين تناسبنا. فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وقطر كلهم دول أيضاً في جامعة الدول ولهم حق الدفاع المشترك لكن مجرد طرح الأمر ولو تلميحاً أمر مستحيل في المنظومة العربية الحالية بكل تكلساتها وتحزباتها. وللتذكير فإن مصر السيسي قد قامت أيضاً بقصف ليبيا عدة مرات منها في غارات عام 2015 وغارات 2017، وقبلهما غارات 2014 التي يعتقد أنها مجهود مصري إماراتي مشترك
أدى الربيع العربي وتبعاته لتحرك الجوش العربية. الجيش الليبي والجيش السوري ظهرت أسلحتهما أخيراً ولكن لقصف وقتل المعارضة والشعب. القوات السعودية والاماراتية دخلت البحرين إثر وصول الربيع العربي للجزيرة الصغيرة. الكويت كذلك أرسلت قواتها البحرية حينها للبحرين. صارت قوات درع الجزيرة رمز آخر للحكام لا للمحكومين. مؤخراً قال أمين عام مجلس التعاون الخليجي أن قوات درع الجزيرة أمست رمزاً لوحدة المصير الخليجي، وتجسيداً للإرادة الخليجية المشتركة لحماية أمن واستقرار دولنا وشعوبنا. فماذا فعلت هذه القوات حين قصف إسرائيل دولة قطر بعدها بأشهر قليلة؟ ومنذ الربيع العربي رأينا ابتكارات وقدرات عجيبة في قمع الشعوب عبر القصف والقتل والسجن والتعذيب لعشرات الآلاف من الأشخاص للأسف.
حين بدأ خطر داعش في سوريا تدخلت الدول العربية عسكرياً في سوريا أيضاً. خطر إسرائيل في سوريا كبير أيضاً وهي تحتل الأراضي السورية منذ 1973 لكن لم تتحرك أي قوات عربية لأجل الجولان سابقاً ولا لاحقاً حين سقط النظام وبدأ الاجتياح الاسرائيلي الحالي. عام 2014 قتلت إسرائيل أحد
قضاة الأردن وهو القاضي رائد زعيتر وبعدها بأقل من سنة قامت داعش بقتل عسكري أردني في سوريا. الرد الأردني جاء على الحادثة الثانية فقط حيث قام سلاح الجو بقصف أهداف داخل سوريا. نحن لا نرد عسكرياً على إسرائيل مطلقاً ولا حتى نلوح بذلك.
كذلك من تبعات الربيع العربي أن حكومات مثل الإمارات والسعودية وقطر ساهمت في النزاعات المسلحة في المنطقة وفي دعم أطراف على حساب أطراف داخل سوريا وليبيا واليمن والسودان وربما أماكن أخرى أيضا، ودخلنا في دوامات من الفتن والقتل المتبادل وتسليح فريق على حساب فريق و”ملشنة” المنطقة بشكل غير مسبوق. فهل فكرت نفس هذه الحكومات في خيار تسليح المقاومة الفلسطينية؟ أو هل فكرت في مجرد التلويح بذلك على الأقل كرد فعل على إغتيال محمود المبحوح في الإمارات أو الغارة الإسرائيلية على قطر؟ الخيال العسكري العربي قادر على الإبداع في التعامل مع الشعوب العربية والحكومات الندية، وجاهز للذهاب لمدى بعيد من التخطيط والتآمر والعنف وجاهز للتعاقد مع بلاكووتر ومؤسسها أو مع فاغنر أو مع أي أحد لكن فقط ضد الشعوب وضد الأنداد والأقران. لا يوجد أي تفكير في توجيه نفس هذه الطاقات ضد العدو، الخيال العسكري في جبهة العدو عبارة عن قحط وجفاف. وليس فقط عسكرياً، حتى سياسياً، تصبح الأفكار جريئة. هل تذكرون حين سحبت الأمم المتحدة اسم السعودية من القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال؟ قال حينها بان كي موون أمين عام الأمم المتحدة أنه اضطر لسحب اسم السعودية لأنه تعرض للتهديد بقطع التمويل عن ملايين الأطفال حول العالم – بما في ذلك فلسطين – إذا لم يتم سحب إسم المملكة.
هذا ما عنيته بعقم العقل العسكري العربي، فهو يتحجج بألف حجة كي لا يفكر في العمل العسكري المباشر أو غير المباشر ضد إسرائيل لكن في الجهة المقابلة يتحجج بألف حجة كي يتدخل عسكرياً في الاقتتال الداخلي بيننا ذات اليمين وذات الشمال. ونتذكر هنا أنه أثناء الأزمة الخليجية التي نشبت عام 2017 هدد مسؤول كبير في الديوان الملكي السعودي بغزو قطر وتحدث أمير الكويت الذي توسط لحل الأزمة عن النجاح في وقف العمل العسكري ضد قطر. وفي الحقيقة فإن استضافة السعودية لعبد الله آل ثاني والترويج له كحاكم بديل وإطلاق حملة “عبد الله المجد” هي أعمال يسهل تصور أن خلفها نية عسكرية
وإذا أضفنا لذلك كوارث التطبيع والتحالف مع العدو بل وممارسة التدريب العسكري معه بشكل مباشر وعقد تمارين بحرية مشتركة في البحر الأحمر بين إسرائيل والولايات المتحدة والبحرين والإمارات قبل عامين فقط من طوفان الأقصى بالإضافة للتعاون المشابه بين المغرب وإسرائيل حتى أثناء الإبادة في غزة، بالإضافة لشراء دول مثل الإمارات والسعودية وغيرهما أدوات تجسس إسرائيلية متطورة واستخدامها ضد شعوبهم .. إذا أضفنا كل هذا سنصل للنتيجة المؤلمة

السيرك العربي في مقابل الجد الإسرائيلي
تأمل معي عزيزي القارئ أنه في القمة العربية بشرم الشيخ عام 2015 جاء الحديث عن اعتماد الدول العربية قراراً مبدئياً بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، وتأمل معي إنشاء السعودية للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة “الإرهاب” بهدف “مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على أهدافه ومسبباته وأداءً لواجب حماية الأمة من شرور كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة أيا كان مذهبها”. إلا إن كان مذهبها صهيوني على ما يبدو.
ومحمود عباس يباهي بأن سلطته أبرمت اتفاقات دولية عدة لمكافحة “الإرهاب” ومناهضة العنف مع 85 دولة وأكد في قمة إفريقية “أننا مستعدون بالتعاون مع الدول الإفريقية لمكافحة الإرهاب والتطرف من خلال نقل الخبرة والتعاون الفعال المباشر” عارضاً مساعدته الدول الأفريقية في ذلك، بينما هو لا يقوم بأي مقاومة للإرهاب الإسرائيلي في بلاده وفي محيط مكتبه ومنزله! لكن دعونا نذهب لمساعدة أفريقيا في مكافحة الإرهاب، لم لأ؟
لا تستطيع السلطة الفلسطينية باعتقال أي مستوطن يمارس الإرهاب بشكل مباشر ضد الفلسطينيين ولا تستطيع أن تواجه أصغر عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية ولم تفعل أي شيء ذو معنى في حادثة وزيرها زياد أبو عين عام 2014 ولم تفعل شيء في وجه التهديدات الإسرائيلية المباشرة للسلطة وها هي ترد على حرب الإبادة الجارية في غزة لعامين متتالين بأن يصرح محمود عباس أمام العالم في الأمم المتحدة أننا “لا نريد دولة مسلحة، ويطالب المقاومة بتسليم سلاحها. طبعاً كلمة عباس هذه ألقاها عبر البث المباشر لأنهم لم يسمحوا له بأن يسافر. هذا العاجز يريد أن تسلم المقاومة سلاحها وأن يعترف به كرئيس لفلسطين؟
لكن حتى المقاومة غير المسلحة التي يتحدث عنها محمود عباس وتتحدث عنها سلطته وجمهوره الذي يريد أن يقاوم الإحتلال بزرع الليمون والزيتون والتفاح – كما تقول أغنيتهم – وبعد سنوات من رفع شعار المقاومة السلمية من حقنا أن نسأل: ما هي جهود السلطة الفلسطينية في المقاومة السلمية التي يكثروا من الحديث عنها؟ كم إضراباً قادوا؟ كم مظاهرة أطلقوا؟ كم اعتصاماً فعلوا؟ ما هو دورهم في الحراك الضخم حول العالم لمقاطعة إسرائيل؟ بل وحتى حين جاءت أحداث مهمة للقضية الفلسطينية مثل سفن كسر الحصار، ماذا كان دور عباس فيها وفي دعمها؟ ماذا عن مسيرات العودة في مايو ويونيو 2011 ومسيرات العودة الغزية لاحقاً؟ وحين صدر تقرير غولدستون الأممي في حرب غزة الأولى من الذي أجله وعطله سوى السلطة الفلسطينية؟ ثم شكل محمود عباس لجنة للتحقيق في سبب التأجيل وقال عضو اللجنة عزمي الشعيبي أنه بعد التحقيق تبين أن عباس – الذي أمر بتشكيل اللجنة – هو نفسه الذي أصدر قرار التأجيل الذي طلب التحقيق لكشف من أصدره.
حين أزاحت حماس السلطة الفلسطينية من غزة بدأ التضييق على غزة وخنقها ثم نشبت حرب غزة الأولى يوم 27 ديسمبر 2008. قبل بدء الحرب بأقل من شعر قال مصطفى الفقي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري حينها أن “مصر لا يمكن أن تتحمل قيام إمارة إسلامية على حدودها الشرقية” ولكن لماذا تتحمل مصر قيام إمارة يهودية صهيونية نووية على نفس الحدود؟
بعد إستيلاء السيسي على السلطة ازداد التضييق على غزة تقريباً بشكل فوري، وفي يناير 2014 هدد مستشار أكاديمية ناصر العسكرية بعمل عسكري مصري في غزة ضد حركة حماس، وفي نفس الوقت نشرت رويترز تقريراً عن من قالت أنه مسؤول أمني مصري كبير أن “غزة هي التالية” وأنه “لا يمكننا أن نتحرر من إرهاب الاخوان في مصر دون وضع نهاية له في غزة الواقعة على حدودنا.”
بعدها بعام اقترب فلسطيني مختل عقلياً وهو عار تماماً من أي لباس – أي: غير مسلح – من الحدود بين مصر وغزة فقام الجنود المصريون بقتله أمام الكاميرات. لكن قبلها بخمس سنوات قام اسرائيلي – يعتقد أنه أيضاً مختل عقلياً – بالوصول سباحة لمصر فقامت مصر بإعادته لإسرائيل رغم أنها ثاني مرة يقوم بها بذه الفعلة. هل يمكن أن يتجرأ الجندي المصري على قتل متسلل إسرائيلي أو أن يقوم النظام بحبس المتسلل ومحاكمته؟
كذلك في حرب الإبادة الجارية، تم منع الفلسطينيين من الخروج من غزة بحجة منع التهجير لكن تم السماح للإسرائيليين الهاربين من القصف الإيراني باستعمال الأراضي المصرية، يقدر عدد الإسرائيليين الذين عادوا لإسرائيل بعد انتهاء القصف المتبادل مع إيران عبر مصر والأردن بنحو 39 ألف إسرائيلي عبروا بسلام وأمان لفلسطين المحتلة

يقولون: نحن لا نستطيع أن نواجه إسرائيل عسكرياً
الحجة الشهيرة بأننا أضعف من أن نواجه إسرائيل عسكرياً غير صحيحة. في الحقيقة هي غير صحيحة إيمانياً قبل كل شيء، فأنت مأمور بجهاد الدفع في كل الأحوال ومأمور بالتوكل ومأمور بأن تعد ما استطعت من قوة لا فوق ما تستطيع، ومأمور بالإيمان بأن قهر الله فوق كل قاهر وقوته فوق كل قوي.
وهو غير صحيح أخلاقياً فكثيراً ما تصبح الحرب التي تفرض عليك هي حرب لابد أن تخوضها حتى لو كنت الأضعف لأنه لا يجوز أن تصمت ومن الواجب عليك أن تؤسس لسابقة نضالية قتالية حتى لو كان المستفيد منها هم الأجيال القادمة وليس نحن. كسر الأسوار التي تحيط خيالنا السياسي والعسكري ضروري في مواجهة الصهيونية، ولهذا عملية السابع من أكتوبر كانت ذات أهمية استراتيجية استثنائية.
ومن هنا أيضاً لا يجوز التحجج بأن الحرب مكلفة اقتصادياً. التكلفة العالية للحرب نواجهها بمعايير اقتصادية وسياسية مضادة، أما أن نواجهها بتلقي الضربات فقط فهذا غير مقبول. الحرب غالية ولكن كرامتنا ومقدساتنا أغلى، ماذا نريد بمراكمة الثروة مع المهانة والضعة والقتل والتشريد؟ النكبة الجديدة في غزة والضم النهائي في الضفة يجب أن نقاومهما بالحرب. حتى لو فشلنا، على الأقل يكون هناك ثمن باهظ تدفعه إسرائيل ويكون هناك مثال يشعل جذوة الجهاد في الجيل التالي.
ثم لماذا الحرب مكلفة ولكن الإستبداد غير مكلف؟ نخسر المليارات من أموالنا لصالح النخب الحاكمة وتهدر أموالنا لشراء قصور ويخوت بلا رقيب ولا حسيب. بل ألا يحق لنا أن نستاءل لماذا كل هذا الإنفاق العسكري؟ لماذا تعتبر دولة مثل السعودية من أكثر دول العالم إنفاقاً على السلاح بشكل سنوي – أعلى من إسرائيل حتى – لمن يتم تجهيز كل هذا السلاح؟ وأين سيستعمل؟ لماذا دولة صغيرة مثل الإمارات تعتبر هي أيضاً من أكثر دول العالم إنفاقاً على التسليح؟ لماذا دولنا قادرة على فتح قواعد عسكرية في القرن الأفريقي مثلاً لكن غير قادرة على فتح قواعد عسكرية لمواجهة الخطر الصهيوني؟ لماذا دولنا قادرة على المشاركة في جهود مكافحة القرصنة الصومالية ولكنها غير موجودة إطلاقاً في أي جهد لمكافحة القرصنة الإسرائيلية؟ تخيل أن دولة مثل إيطاليا ودولة مثل إسبانيا أرسلا سفناً حربية لدعم مواطنيهم على متن أسطول الصمود لكن ولا دولة من دولنا أرسلت سفينة حربية لدعم مواطنيها المشاركين في سفن كسر الحصار بما في ذلك مصر والكويت والبحرين. الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي شارك في إحدى هذه السفن وقامت إسرائيل بأسره ومن معه بكل سهولة دون أي رد تونسي ذو وزن.
ما ضرنا لو قامت دولنا بإغلاق البحر الأحمر والخليج وقناة السويس على الملاحة الإسرائيلية؟ لو أغلقت السعودية المجال الجوي الذي فتحته لإسرائيل؟ هل ستحارب إسرائيل خمس أو عشر دول؟ لو أعلنت موريتانيا – لبعدها الجغرافي – فتح قواعد لتدريب المقاومة مثلاً أو أعلنت دول المنطقة المغربية تسليح المقاومة أو أي شيء من هذا القبيل، هل تستطيع إسرائيل أن تحارب هؤلاء كافة؟ ماذا لو استعملنا – وهو ما يجب أصلاً – امتداداتنا الإسلامية وحتى العالمية لبدء تحركات عسكرية ولو صغيرة. إسرائيل لن تقدر على محاربة العالم كله.
هذا العجر والعقم هو فقط في مواجهة العدو الخارجي. لا يمكن للسعودية عام 1990 أن تقول رداً على غزو الكويت: نحن لا نستطيع أن نواجه صدام عسكرياً لذلك سنتركه يحتل الكويت وسنكافحه فقط عبر البيانات الدورية التي تذكر بالقرارات الدولية والقانون الدولي وتكرر الإدانة بأشد العبارات، إلخ.
الحرب مسألة إرادة أولاً قبل أن تكون مسألة إمكانيات، وقد حشدت السعودية نحو 30 دولة لتحرير الكويت وذلك لوجود إرادة.
ثم إن هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية: من الشائع في التاريخ أن ينتصر فريق في حرب ما ليس بسبب ميزان القوى وإنما لأجل أسباب أخرى. لو قررت الدول العربية طرح الخيار العسكري والبدء مثلاً بتسليح المقاومة وتدريبها وبقصف بسيط لا يشعل حرباً – وهو ما فعلته إيران – لربما أدى ذلك لنصر تكتيكي ووقف حرب غزة لأسباب غير الأسباب العسكرية المباشر، أسباب مثل تضعضع جبهة العدو الداخلية، أو تخوف الدول الداعمة لإسرائيل من أن النزاع بدأ يصل لحدود غير مقبولة، أو تصور إسرائيل وداعميها أن تكلفة توسيع الحرب غير مقدور عليها وأن تكلفة عامين من الحرب على عدة جبهات تكفي وزيادة، أو خوف إسرائيل من زوال نهائي للتطبيع الذي تم تأسيسه مع القاهرة وعمان وأبو ظبي والمنامة والخرطوم والرباط، أو حسابات وعوامل أخرى لا نتوقعها. الإقدام على الحرب والتجرؤ على التفكير العسكري سيفتح الباب لاحتمالات جديدة. اليوم إسرائيل تخشى من مقاتل فلسطيني واحد أكثر من خوفها من أي اجتماع قمة عربي أو إسلامي، العدو يعلم أنه لن يصدر أي شيء جديد أو إبداعي أو يغير المعادلة من القمم العربية والإسلامية ولذلك هو لا يكترث لها. ويزداد المشهد بؤساً وأنت ترى محللين عرب في وسائل الإعلام يتحدثون عن أن بيان القمة الفلانية صفعة في وجه الإحتلال أو أنه يضع إسرائيل في مأزق أمام العالم أو أنه أحيا روح وحدة الصف إلخ، ومثاله أيضاً التعليقات والتحليلات العجيبة للمحتفلين بجهود السعودية في تسجيل دول جديدة اعترافها بفلسطين وهو ما أوضحت بطلانه في مقال سابق. ودعني أشير لهجوم التيت الشهير في الحرب الفيتنامية وهو هجوم ضخم واسع النطاق ومفاجئ وعالي التنسيق قامت به القوات الشيوعية ضد القوات الأمريكية والفيتناميين الجنوبيين. الهجوم مشابه لهجوم السابع من أكتوبر في بعض جوانبه، ورغم قوة الضربة إلا أن الأميركان وحلفائهم استوعبوا الضربة واستعادوا زمام السيطرة فتحقق لهم الانتصار المباشر قصير الأمد، لكن على المدى الطويل كان الهجوم من أسباب انهيار الجبهة الداخلية الأمريكية وانحسار الدعم حتى في الجيوب الشعبية الؤيدة للحرب وانخفاض الإيمان بأي جدوى للإستمرار في الحرب وفي دفع تكاليفها الباهظة وصارت حرب فيتنام فاقدة للشعبية والحماس بشكل حرج، وهذا كله أسهم في إنهاء الحرب لاحقاً والهزيمة الأمريكية الشهيرة في فيتنام.

خيار فتح الجبهة السورية
أخيراً دعني أقول بأنه وعلى عكس ما يقوله البعض فإن الوقت الحالي وقت مثالي لفتح جبهة مواجهة ضد إسرائيل، بل ربما هذا أفضل ظرف يمكن أن نصل إليه وقد لا يتكرر أبداً! إسرائيل منهكة من عامين من الحرب وفقدت الكثير من شرعيتها حول العالم وصارت منبوذة وتعاني انقساماً داخلياً مزمناً ومل حلفاؤها من التكاليف اللانهائية لتمويل حربها والدفاع المستحيل عن جرائمها. نحن الآن في وضع مثالي لعمل عسكري خلاق وذكي وجريء خصوصاً في الجبهة السورية حيث يوجد خطر وجودي على سوريا بسبب الاجتياح الاسرائيلي للأرض ولبعض المجتمع الدرزي وكذلك بسبب قوة الحجة القانونية لتبرير التحرك العسكري السوري وكذلك لوجود حكومة تركية داعمة وأراضي مفتوحة ومتصلة بين سوريا وتركيا وطبعاً لوجود زخم ثوري في سوريا وتراكم الخبرة العسكرية لدى الثوار. عما قريب قد يتغير النظام السياسي في تركيا أو في سوريا – وهو هش أصلاً والحرب قد تقويه في الحقيقة – ففي الحقيقة الوضع الآن هو أفضل الأوضاع الممكنة لفتح جبهة ضد الإحتلال، ولو كانت هذه الجبهة مدعومة خليجياً فسيكون لدينا قدرة شبه مؤكدة على وقف الحرب في الجبهة السورية مقابل وقفها في الجبهة الغزية أيضاً وبذلك وقف الإبادة ومخطط النكبة الجديدة.
المسألة هي أن نمتلك الإرادة. المسألة هي أن نمتلك حكوماتنا. المسألة هي أن نستعيد إيماننا.
والله أعلم وأحكم.
أضف تعليق