بعد أن قامت عدة دول من الوزن الثقيل بالإعتراف بدولة فلسطين انتشرت تحليلات عربية مفرطة في التفاؤل والسطحية تقول أن الإعتراف بدولة فلسطين يعني أنها صارت دولة كاملة وأن الإعتداء عليها يصبح جريمة حرب تؤدي لمحاكمة إسرائيل في المحكمة الدولية. هذه أوهام كان جديراً بأشخاص ينتمون للأمة ويعرفون أخبارها أن لا يرددوها. هنا توضيح بسيط ومباشر للأمر

Photo by Alfo Medeiros on Pexels.com

وكي لا تفهمني بشكل خاطيء، دعني أؤكد أن هذه الاعترافات خطوة مفيدة، لكنها متأخرة جداً وغير فعالة على أرض الواقع، وهو ما أوضحته بالأدلة في تدوينة سابقة باللغة الانجليزية.

أولاً: هذه الاعترافات لا تجعل فلسطين دولة كاملة في الأمم المتحدة

هذه الاعترافات لا تجعل فلسطين “دولة” كاملة في الأمم المتحدة ولا تغير وضعها إلى عضو كاملة العضوية في نادي الدول، فكون بريطانيا اعترفت أو كندا أو غيرهما لا يغير بشكل تلقائي من وضع فلسطين الدولي والقانوني، وهذه الاعترافات لم تحول فلسطين لدولة ذات عضوية كاملة كما توهم البعض، وهو توهم غريب، فهل كانوا يظنون أن زيادة عدد المعترفين سيغير أي شيء؟ أغلب دول العالم معترفة بدولة فلسطين من قبل السابع من أكتوبر أصلاً ولم يؤثر ذلك في المركز القانوني لفلسطين

ثانياً: الاعتراف لا يعني إعطاء حماية دولية لفلسطين

كون فلسطين دولة معترف بها لا يعني أنها ستحظى بحماية زائدة وأن إسرائيل ستعاقب الآن على عدوانها. هل نسينا أن سوريا دولة معترف بها؟ ولبنان؟ هل منع هذا إسرائيل من الاجتياح والقصف والخطف والتجسس والتدمير والتهجير؟ أليست سوريا دولة معترف بها دولياً ومع ذلك الجولان محتل منذ نحو ستين عاماً بل وقامت إسرائيل علناً بضمه إلى أراضيها ثم في السنوات الأخيرة اعترفت الولايات المتحدة بالضم أيضاً، فهل حمانا القانون الدولي؟

وماذا عن الدول الأخرى المعترف بها والتي قصفتها أو اجتاحتها؟ ماذا عن مصر والأردن والعراق وتونس واليمن وقطر والسودان، كلها دول معترف بها بشكل كامل ومع ذلك قصفتها إسرائيل بكل حرية. أليست الإمارات دولة معترف بها دولياً؟ هل منع ذلك إسرائيل من اغتيال محمود المبحوح في دبي؟ ألم يتم إغتيال محمد الزواري في تونس وفادي الطبش في ماليزيا وتم اختطاف ضرار أبو سيسي من أوكرانيا؟ هذا فقط في السنوات القليلة المنصرمة، فماذا لو حدثتك عن عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأقدم في إيطاليا والأردن وقبرص والنرويج، وكلها دول كاملة العضوية بطبيعة الحال

أما بالنسبة للمحكمة الدولية فالمعوقات أكبر من مجرد العضوية، في الحقيقة منذ تصويت الأمم المتحدة عام 2012 بدأت فرصة ولو ضئيلة للسماح لفلسطين باتخاذ إجراءات قضائية دولية ضد إسرائيل، لكن دون جدوى، خصوصاً أن إسرائيل ليست طرفاً من أطراف المحكمة وأنها تحظى بدعم أمريكي سياسي وعسكري – وشاهدنا كيف عاقبت الولايات المتحدة المحكمة الدولية وقضاتها – وأيضاً لا توجد قيادة فلسطينية قادرة – أو راغبة – على مجابهة إسرائيل ولا حتى قيادة عربية. القانون الدولي كان في صف العرب دائماً فيما يتعلق بأراضي الـ67 واللاجئين وجدار الفصل وأسلحة الدمار الشامل وحصلوا في ذلك على قرارات أممية ورأي استشاري من المحكمة الدولية وتقارير جوهرية بشأن الجرائم الإسرائيلية مثل تقرير تقصي الحقائق (الأول) في مجزرة اسطول الحرية ومثل تقرير تقصي الحقائق في حرب غزة الأولى (الشهير بتقرير غولدستون) والذي كانت السلطة الفسطينية هي من أوقفته لا إسرائيل

ثالثاً: المهم هنا من يملك القوة لفرض واقع جديد على الأرض

الحقيقة أن الدولة الفلسطينية المزعومة مستحيلة الوجود والأمل في وجودها إيمان بالخرافات، لأن إسرائيل غيرت بشكل ممنهج كل المعطيات على أرض الواقع، ومن ذلك تدمير غزة بشكل متواصل منذ ما قبل السابع من أكتوبر، ضم أكثر من نصف الضفة الغربية بالمستوطنات والجدار، والأهم من ذلك الرفض القاطع لقيام الدولة وهو ما صرحت به القيادات الصهيونية مراراً وتكراراً ومع ذلك ظل هذا السراب هو الوحيد الذي يعرفه العقل السياسي الرسمي لدولنا. ولنتذكر أن نتنياهو حين قال في 2009 أنه مستعد للموافقة على الاعتراف بدولة فلسطينية قال أن ذلك مشروط بالآتي: أن تعترف هذه الدولة بيهودية الدولة الإسرائيلية، وأن تتخلى تماما وبشكل نهائي عن القدس الشرقية، وأن تتخلى بشكل نهائي أيضاً عن حق اللاجئين في العودة، وأن لا تتمتع بسيطرة على مجالها الجوي، وأن لا تقيم علاقات مع جهات معادية لإسرائيل، وأن لا يكون لها جيش. هذه الصيغة التعجيزية المهينة أضاف عليها نتنياهو لاحقاً قراره بأن يكون هناك وجود إسرائيلي عسكري دائم في غور الأردن داخل الدولة الفلسطينية المزمعة. هذه ليست دولة ذات سيادة ولا هي شكل يمكن قبوله من أي أحد. لكن حتى هذا العرض شديد الهزال تم سحبه بالكلية مع إصرار نتنياهو – منذ ما قبل حرب السابع من أكتوبر – أن لا دولة فلسطينية إطلاقاً

خلاصة: لا تضيعوا المزيد من الوقت والجهد

أي سعي جاد لأجل القضية الفلسطينية يجب أن يتخلى عن الوهم وأن لا يضيع المزيد من الأوقات والجهود والأموال في فلك خرافة حل الدولتين، لقد أضعنا عقوداً من الزمن على هذه الخرافة وانخرطنا بهوس في تعظيم أي اعتراف دولي وكأنه الحل الذهبي في مواجهة القصف والذبح والدبابات والمستوطنات، وهو جزء من عقم العقل العسكري العربي كما أوضحت في مقال سابق. الحل لا يكون سلمياً مع إسرائيل، وهذا نذير ..

والله أعلم وأحكم

Posted in

رد واحد على “أوهام المحتفلين بالإعتراف بدولة فلسطين”

  1. […] أوهام المحتفلين بالإعتراف بدولة فلسطين […]

    إعجاب

اترك رداً على عقم العقل العسكري العربي – النذير إلغاء الرد