في أواخر نوفمبر 2025 قام رجل أفغاني بإطلاق النار على اثنين من قوات الحرس الوطني الأمريكي في العاصمة الأمريكية واشنطن. كان رد الرئيس الأمريكي ترمب شديد الغضب والحدة: فوراً أعلنت السلطات الأمريكية تعليق معالجة جميع طلبات الهجرة المقدّمة من المواطنين الأفغان، واستغل ترمب الحدث لإشعال الحماس الغاضب في نقاطه المفضلة مثل معاداة الهجرة ومعاداة جو بايدن فقال: “المشتبه به الذي قُبض عليه هو أجنبي دخل بلادنا من أفغانستان وأُحضر إلى هنا من قبل إدارة بايدن” في تعليقه على الهجوم.
ردة الفعل الغاضبة هذه والتي ستنال إعجاب التطرف الشعبوي جاءت بسرعة وقبل تبين تفاصيل الهجوم. هي ليست ردة فعل منطقية ولا هي متناسبة مع حجم الهجوم وسياقاته، ومعاقبة كل الأفغان بسببه أمر سخيف ولن يمنع وقوع هجمات في المستقبل. هنا بعض التفاصيل الموضوعية التي تكشف عوار الشعبوية في هذا المثال وأمثلة مشابهة

الهجمات السابقة على البيت الأبيض
هذه قائمة بهجمات مشابهة حصلت في العاصمة واشنطن خلال الربع قرن المنصرم
- الحادثة الأولى: عام 2001 قام أمريكي أبيض بإطلاق النار عند البيت الأبيض ورفض الاستسلام مما أدى لإطلاق النار عليه وإصابته ثم اعتقاله
- الحادثة الثانية: عام 2005 قام أمريكي أبيض بإيقاف المرور أمام البيت الأبيض بشاحنته وهدد بتفجيرها إذا لم يتم الإفراج عن قريبه المسجون
- الحادثة الثالثة: عام 2006 تمكن رجل أبيض من اقتحام باحة البيت الأبيض وهو يصرخ بعبارات سياسية أثناء تواجد الرئيس جورج بوش الإبن في الداخل
- الحادثة الرابعة: عام 2011 قام أمريكي من أصل لاتيني بإطلاق النار على البيت الأبيض واتهم بمحاولة إغتيال الرئيس أوباما وقد اعتقل وأعرب عن دوافع سياسية/دينية غرائبية
- الحادثة الخامسة: عام 2013 ارتطمت سيارة بنقطة تفتيش قرب البيض الأبيض وهربت السائقة مما أدى لإطلاق النار عليها وقتلها
- الحادثة السادسة: عام 2014 قام أمريكي بورتوريكي من جنود غزو العراق بإقتحام البيض الأبيض بل ونجح في الولوج للداخل
- الحادثة السابعة: عام 2016 قام أمريكي أبيض بإطلاق النار على البيت الأبيض مما أدى لإطلاق النار عليه واعتقاله
- الحادثة الثامنة: عام 2020 هدد رجل قوات الأمن خارج البيت الأبيض مما أدى لإطلاق النار عليه وإصابته وبسبب هذا الحادث تم إخلاء الرئيس ترمب من مؤتمر صحفي كإجراء احترازي، ولم نسمع يومها منه شيئاً شبيهاً بالإجراءات الشديدة والتصريحات النارية التي نراها اليوم
- الحادثة التاسعة: في بدايات هذا العام وأثناء فترة ترمب الثانية حصلت مواجهة مسلحة أيضاً أمام البيت الأبيض مع رجل مسلح
هذه أمثلة لعشرات الاختراقات والحوادث الأمنية في البيض الأبيض وما حوله
ما هي الدوافع خلف الهجوم؟
لم يسع ترمب وحلفه للتأني الطبيعي والتعقل المتوقع من رجال الحكم والسياسة بل قفزوا فوراً للاستنتاجات. المهاجم تبين أنه من الأفغان المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وخرج مع من خرج أثناء إنتهاء الوجود الأمريكي في البلاد وعودة حركة طالبان للحكم، أي أن الدافع قد يكون في الحقيقة مرتبط بالإجرام الأمريكي أو الإحباط من الحكومة الأمريكية أكثر من كونه مرتبطاً بدوافع إسلامية. لاحظ أن المقاتلين السابقين في القوات الأمريكية كثيراً ما خرج من بينهم مهاجمون عنيفون قاموا بارتكاب أعمال عنف بما فيها الجندي السابق الذي ذكرناه في الحادثة السادسة أعلاه. منهم مثلاً جندي سابق قام بقتل خمسة رجال شرطة عام 2016، ومنهم مطلق النار على استديو اليوغا عام 2018، وبينهما الجندي السابق الذي ارتكب مجزرة الكنيسة في تكساس عام 2017 وقتل 26 شخص قبل أن ينتحر.
إذا كان ترمب يرى أن المشكلة في الهجرة الأفغانية، فلماذا كل هذه الهجمات غير الأفغانية؟ بل إذا كان يرى أن المشكلة هي في هجرة الأفغان فلماذا استمرت هذه الهجرة في عهده إلى يوم الهجوم؟ وإذا كان لا يرى بأن المشكلة تكمن في الأفغان فلماذا إذن قام بإيقاف طلبات الهجرة الأفغانية رداً على الهجوم؟
هذا النمط من العقاب الجماعي هو استمرار للمزاج الشعبوي الطفولي لكنه من ناحية عملية سياسة غير فعالة ولن تفلح في منع تكرار الهجمات الدورية هنا وهناك.
العنف السياسي والشعبوية ومحاولة اغتيال ترمب
محاولة اغتيال ترمب أثناء الحملة الانتخابية شهدت صعوداً كبيراً في الخطاب الشعبوي الذي اتهم الديموقراطيين بأنهم السبب في محاولة الاغتيال بسبب خطابهم الهجومي على ترمب. هذا الخطاب الشعبوي تجاهل بشكل كلي العنف السياسي المشابه الذي كانت دوافعه يمينية محتملة أو مؤكدة، مثل محاولة خطف رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي والهجوم على بيتها وإصابة زوجها في الهجوم، ومثل خطة خطف حاكمة ميتشيغان المعادية لترمب وغيرها
خاتمة: لماذا سرد هذه الحقائق يهمنا جميعا؟
لأن مجابهة الخطاب الشعبوي صار أولوية عالمية في كل السياقات بما فيها السياق العربي والإسلامي، الإنجرار خلف السرديات الشعاراتية القائمة على مشاهد الغضب الأخلاقي واستدعاء المشاعر الشعبوية ظاهرة خطيرة تتزايد بفضل الانترنت وبفضل بروز ترمب وأمثاله وهي ظاهرة يجب أن نواجهها على كل الصعد حتى داخل الدوائر الفكرية التي ننتمي إليها
أضف تعليق